القائمة الرئيسية

الصفحات

التحرش في الشوارع.. قصص صادمة لفتيات

عدن - حليمه محمد

سحر شابة (31 عاماً) تروي حكاية تعرضها للتحرش هي وصديقتها. تقول: عند عودتنا من زيارة صديقة في المستشفى ركبنا في المقعد الخلفي للباص، كان بجانبنا رجل، وهذا طبيعي كون المقعد الخلفي يتسع لثلاثة أشخاص، وكانت صديقتي إلى جانب الرجل، وأنا إلى جانب النافذة، وكنت شاردة الذهن، وتفاجأت بصديقتي تمسك بي بطريقة غريبة، ويدها ترتجف، وعندما حولت نظري إليها أصبت بالصدمة، حيث كان الرجل يفتح معوزه (لباس تقليدي يغطي الجزء الأسفل من جسم الرجل)، ويظهر عضوه الذكري، طلبت من السائق الوقوف، ونزلنا بسرعة إلى خارج الباص في منتصف الطريق، وما إن تحرك الباص بدأت صديقتي بالبكاء.

وتضيف كنت أشعر برعشة شديدة بجسمي، ووقفنا في الشارع إلى أن استعدنا هدوءنا ومشينا أكثر من 2 كيلو حتى وصلنا إلى منزلينا. تقول سحر إنها لم تتمكن من ركوب أي باص يومها، كما أنها لم تتمكن من الإفصاح أو الصراخ في وجه الرجل في الباص، تقول: “تصرفنا بتلقائية ونتيجة للخوف، وفي حال تكلمنا لن يصدقونا، بل سيحملوننا المسؤولية كوننا بنات، وسيقولون إننا بلا أدب، وهو رجل لن يغلطه أحد”.

وتقول : “مازلت إلى اليوم أشعر بالتوتر عند ركوبي الباص، وأظل متوترة حتى أصل إلى وجهتي”. سحر كغيرها من مئات الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش، وهو أحد الانتهاكات الشائعة التي تتعرض لها النساء، حيث تشير دراسة نفذها مركز عدن للبحوث الاستراتيجية والإحصاء، إلى أن ٨٠٪ من النساء تعرضن للتحرش. أتذكر موقفاً تعرضت له، كنت أدفع أجرة الباص، وعند إرجاع سائق الباص المبلغ المتبقي لي تعمد لمس يدي، وعلى الرغم من أني أبعدتها بسرعة، إلا أن هذا التصرف أشعرني بالاشمئزاز، وقمت بمسح يدي بملابسي لأكثر من مرة دون وعي. تمنيت أن أتخلص منها أو أغسلها. موقف شعرت فيه بالقرف من نفسي.
صدمة نفسية
تذكرت هذه الحادثة وأنا أستمع للدكتورة شفيقة نعمان وهي تتحدث في دورة تدريبية حول إعداد التقارير الإعلامية لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، بالتعاون مع اتحاد نساء اليمن، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، كانت تتحدث عن التأثير النفسي للعنف القائم على النوع الاجتماعي على الضحايا. ولم تتردد في طرح قصة تعرضت لها في الشارع، حيث كانت تمشي عندما قام أحد الرجال بالتحرش بها لفظياً بكلام خادش للحياء أصابها بالصدمة. عادت إلى البيت وهي في حالة من الذهول، وغير مستوعبة الموقف. لم تفهم لماذا أقدم الرجل على قول ذلك الكلام، ورغم أنها تكلمت مع زوجها، لكنها قالت: “منعني حيائي من تكرار الكلام الذي أسمعني إياه الرجل”، تقول الدكتورة شفيقة: رغم مرور سنوات طويلة على ذلك، إلا أنني كلما أتذكر أشعر بالصدمة من جديد، وأتألم من داخلي، لأن الأذى النفسي يظل مصاحباً الشخص لمدة طويلة من الزمن، وخاصة الأذى اللفظي.

وتتابع : إلا أنني لم أسمح بأن يحد هذا الموقف من نشاطي وعملي، على الرغم من أنه آذاني نفسياً. وتقول الطبيبة النفسية شفيقة نعمان، حول الأثر النفسي الذي ينتجه التحرش والمعاكسات في الشارع، التي تزايدت حالاتها في الآونة الأخيرة: “إن فترات الصراعات والحروب تزداد فيها جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتحديداً التحرش الذي يُعرف بأنه (مُضايقة، تحرش، أو فعل غير مرحب به من النوع الجنسي، يتضمن مجموعة من الأفعال، من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولاً إلى النشاطات الجنسية، ويعتبر التحرش الجنسي فعلاً مشيناً بكل المقاييس)، وهو يترك في الطرف المتحرش به، وغالباً ما تكون المرأة، الشعور بالدونية والتقليل من شأنها – عدم تقديرها لذاتها – وأنها مكسورة الإرادة، شعورها بعدم الأمان، والشعور بالتوتر المستمر، وهذا له سلبيته على المرأة كفرد في المجتمع أعطاها الله حقوقها كاملة”. وتعدد الدكتورة شفيقة أنواع التحرش: النظر المتفحص – التعبيرات الوجهية – النداءات- التعليقات- الملاحقة والتتبع – الدعوة لممارسة الجنس – الاهتمام غير المرغوب به – الصور الجنسية – المكالمات الهاتفية – اللمس – التعري – التهديد والترهيب – التحرش الجنسي الجماعي.

صورة ارشيفية “تعبيرية”

 

أزمة أخلاق
وتقول عائشة: “ليس ذنبنا أننا نعيش في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد وليس الدين”، وتحكي كيف أنها كبقية البنات تعرضت للتحرش اللفظي، وواجهت المتحرش بها بالرد ببعض الكلمات لعلها تشعره بالخزي. تقول: في أوقات أسمع كلاماً مخزياً يجعني أثير الشك في مظهري، على الرغم من أني طبيعية جداً في لبسي، وليست مشكلتي أن بعض أفراد المجتمع يعانون من مرض وشهوة زائدة أو كبت، وهذا يعطيهم المجال للتحرش بالنساء، حتى وإن كن بالخمار (البرقع)، وإن كن متزوجات أو حوامل. وتوصلت إلى قناعة أنه لا علاقة للمظهر الخارجي، وهي أزمة أخلاق يعاني منها أكثر الرجال الذين يقومون بهذه الممارسات”. لم يفاجئني كلام عائشة بأن المرأة المتزوجة تتم معاكستها والتحرش بها، بل حتى الحامل، ولكم أن تتخيلوا..! دفعني فضولي ودهشتي إلى البحث عن امرأة حامل لأسألها هل تعرضت إلى معاكسات وأنت في الشارع أو في مكان عام؟ أم قاسم ضحكت وقالت: أنا حامل بطفلي الثاني، وأمشي وبيدي طفلي الأول، ومع هذا لا يستحون من معاكستي بكلام أستحي تكراره، والله إني أستحي أن أمشي بالشارع، ومن شكلي أنا بشهري التاسع، ومع هذا أسمع ألفاظاً سيئة، إنهم يثيرون اشمئزازي، وصرت أخجل من الخروج إلى الشارع. قررت أن أستمع لوجهة نظر ذكورية، وسألت عم أحمد جارنا، وقال: يا بنتي ما عاد في أخلاق ولا خوف من الله. وللأسف حتى المجتمع ما يتحمل مسؤوليته، كان زمان لو ولد عاكس بنت على طول الشارع كله يعطيه حسابه قبل ما نوديه للشرطة، (أي يقوم الناس بضربه قبل أن يتم إيصاله إلى الشرطة)، أما الآن ما في مسؤولية من المجتمع، والناس للأسف ساكتة، لازم المجتمع يكون هو الرادع لكل من يحاول أن يسيء لأى بنت أو حرمة، هذول عارنا، والتربية تبدأ من البيت.
80 بالمئة من النساء يتعرضن للتحرش
دراسة قام بها مركز عدن للبحوث الاستراتيجية والإحصاء، في يناير 2016م، أكدت أن 75% من المتحرشين هم أشخاص من العامة، وأن 80% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة تعرضن لتحرش، ولم تمثل الحالة الاجتماعية عائقاً أمام المتحرش، وأن أغلب التحرش يتم في الشارع الذي حصد أعلى نسبة، تليه وسائل المواصلات والأسواق، ثم العمل والجامعة.

الصمت يزيد المشكلة

وتقول رئيسة اتحاد نساء اليمن – عدن فاطمة مريسي، إن “ظاهرة التحرش هي من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا الإسلامي، وهي مرفوضة دينياً ومجتمعياً وثقافياً، وأصبحت شائعة في هذا الفترة، وصارت موجودة في الشارع والمدارس والجامعة والعمل”، مشيرة إلى أن الاتحاد عمل خلال الفترة الماضية مع النساء المعنفات والناجيات، وتعرف على جميع أنواع العنف والتحرش، وعمل على رفع الوعي المجتمعي بمثل هذه الممارسات، إلا أنها تشير إلى أن موضوع التحرش عادة لا يتم الإفصاح عنه من قبل النساء، خوفاً من أن يتم وصمهن بالعار أو أنهم قليلات الأدب. “وللأسف يتم تحميلهن المسؤولية، ويوجه إليهن اللوم، وتتم تبرئة أو تجاهل المتحرش، لهذا تفضل النساء الصمت لحماية أنفسهن، وفي الكثير من الأحيان تصاب النساء بحالة من الإحباط والخوف”، وتضيف مريسي: “الصمت يزيد المشكلة ولا يحلها، لهذا وجب التحدث عنها، وعلى النساء أن يدافعن عن أنفسهن حتي نتخلص من هذه الظواهر الخطيرة على النساء خاصة والمجتمع عامة”.
تجريم التحرش
وتقول المحامية منى عبدالله إن غياب النص القانوني الواضح والصريح الذي يجرم التحرش، سمح بمروره دون عقاب، حيث اندرج التحرش تحت مسمى الفعل الفاضح، بمعني خدش حيائها بألفاظ مسيئة للآداب العامة كما ورد في المادة 273: الفعل الفاضح المخل بالحياء هو كل فعل ينافي الآداب العامة أو يخدش الحياء، ومن ذلك التعري وكشف العورة المتعمد والقول والإشارة المخل بالحياء والمنافي للآداب. أتى فعلاً فاضحاً علانية، بحيث يراه أو يسمعه الآخرون، والمادة 275: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بالغرامة كل من أتى فعلاً فاضحاً مع أنثى بغير رضاها، فإذا كان الفعل عن رضى منها يعاقب الاثنان بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بالغرامة التي لا تتجاوز ألف ريال. كما نواجه في التعاطي مع هذه القضايا العجز في إثبات الواقعة، كون كلام المرأة وحده ليس دليلاً كافياً لإثبات الواقعة، وهذا مرتبط بضعف قانون العقوبات اليمني. عدم تجريم ظاهرة التحرش سمح بانتشارها وتطورها إلى جرائم أكبر، بسبب غياب الرادع القانوني لها. لهذا على المجتمع أن يضغط وأن يواجه هذه الظاهرة حتى يتم تعديل القانون كما حصل في جمهورية مصر، وهذا جاء بفضل أن الضحايا لم يسكتوا على حقهم، وواجهوا هذه الظاهرة. تزايد ظاهرة المعاكسات في الشارع والأماكن العامة ما هي إلا نوع من أنواع التحرش، ولها تبعاتها النفسية على المرأة، وقد تحد في كثير من الأحيان من حرية المرأة وقدرتها على المشاركة الفاعلة مجتمعياً وعملياً، وهذا سيؤثر سلباً على المجتمع، ما لم يتم التصدي لهذه الظاهرة مجتمعياً، ومن قبل النساء أنفسهن، من خلال رفضها ووقوفها في وجه كل من تسول له نفسه فعل هذا الفعل المشين. ولا نغفل دور الأسرة في تربية أبنائها وغرس القيم والأخلاق فيهم والوازع الديني الذي سيسهم في ردع هذه السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا، بالإضافة إلى الضغط المجتمعي الذي سيسهم أيضاً في الضغط على الجهات المعنية بضرورة عمل تعديلات في قانون العقوبات اليمني، وعمل نصوص واضحة تجرم فعل التحرش وتحدد العقوبات الرادعة له

ردرود الأفعال:

تعليقات