سجناء يمنيون يقبعون في سجن الإيواء بجازان، السعودية رغم انتهاء فترة محكوميتهم أو الحكم ببرائتهم-صورة تعبيرية |
تحقيق- عيسى محمود
يعاني الكثير من السجناء في سجن الإيواء بجازان (السجن العام) في جنوب المملكة العربية السعودية من وضع إنساني قاس، ويقبع الكثير منهم في ذلك المكان أشهر وسنين دون الحصول على فرصة للدفاع عن أنفسهم أو التحدث عن مظالمهم.
يقع سجن الإيواء في طريق الملك عبد الله في المنطقة الصناعية في جازان، وهو جزء من مديرية السجون في المنطقة التي تحتوي على عدة سجون، منها السجن العام، وهو سجن مخصص للمواطنين السعوديين، وسجن الإيواء المخصص للأجانب.
يستقبل سجن الإيواء الأشخاص الذين ارتكبوا أو المتهمين بارتكاب جرائم جنائية وأخلاقية وتهريب المخدرات، وغيرها من القضايا، ويمثل اليمنيون 60 % من عدد السجناء، ومعظم قضاياهم تتعلق بتهريب القات، بحسب مصادر في السجن.
في هذا التحقيق، يتحدث بعض السجناء عن قصصهم المؤلمة، ومعاناتهم المحزنة التي مروا بها في ذلك المكان.
جميل الحجي، 40 عاما، محافظة ذمار، يعبر عن حسرته تجاه ما يحدث من إهمال متعمد، وتجاهل لحقوق السجناء، حيث يشعر السجين بالذل والهوان بسبب “طريقة تعامل الجنود السعوديين مع السجناء”.
يقول الحجي إنه كان متهم ببيع قطعة سلاح في منطقة الخوبة بجازان، وبسبب تلك التهمة، تم اعتقاله من قبل الشرطة السعودية وإيداعه في سجن الإيواء. يضيف: “وبعد صدور الحكم من قبل المحكمة الجزائية ببراءتي لعدم وجود أي دليل يثبت صحة البلاغ أو التهمة الموجهة إلي، وعلى الرغم من براءتي من التهمة وحقي في الإفراج، إلا أني قضيت في السجن ثلاث سنوات وأربعة أشهر”.
يشير الحجي إلى أن السلطات اليمنية المعنية بقضايا المغتربين والسجناء لم تقم بدورها، ولم تتابع المآسي التي يمر بها اليمنيون في السجون السعودية. خلال المدة التي قضاها في السجن، لم يأت أي مسؤول يمني لزيارة السجناء اليمنيين، بينما كانت هناك زيارات متعددة لمسؤولين من أثيوبيا ومصر، بحسب الحجي.
نزيل يمني سابق في سجن الإيواء: هناك انقطاع شبه كامل للمياه في الحمامات، حيث تأتي المياه ساعتين أو ثلاث ساعات فقط خلال اليوم الواحد، وعندما لا تأتي المياه، يتم إدخال برميلين بسعة 150 لترا للتنظيف.“
حاول معد التحقيق التواصل مع السفارة اليمنية في الرياض للتعليق على ما ورد في التحقيق عن وضع السجناء اليمنيين في السعودية لكنه لم يلق أي تجاوب.
شفيق العمراني، 50 عاما، يقول إن حكما قضى بسجنه ستة أشهر على خلفية قضية شراب مسكر، لكنه بقى في السجن سنتين وشهر، ولا يعرف سبب كل ذلك التأخير. يضيف: “كلما كنت أبعث باستفسار عن قضيتي إلى كاتب المحكمة، يتم الرد بأنها ما زالت بالاستئناف، ومعظم الأحيان كان لا يتم الرد”.
تؤكد مصادر مطلعة أن الأشخاص الذين لا زالوا في سجن الإيواء، رغم انقضاء فترة الحبس التي نصت عليها الأحكام، يبلغ عددهم 750 سجينا من جنسيات مختلفة، بينهم نسبة كبيرة من اليمنيين.
ظروف غير إنسانية
زياد العامري، ٢٦ عاما، من محافظة ريمة، يتحدث عن صورة أخرى من المعاناة التي تكبدها السجناء في سجن الإيواء، ويقول: “هناك انقطاع شبه كامل للمياه في الحمامات، حيث تأتي المياه ساعتين أو ثلاث ساعات فقط خلال اليوم الواحد، وعندما لا تأتي المياه، يتم إدخال برميلين بسعة 150 لترا للتنظيف”.
تؤكد المصادر أن إجمالي السجناء في سجن الإيواء بجازان يصل إلى (7120) سجينا، من مختلف الجنسيات، ويحتوي السجن 16 قسما، تتوزع على أربعة مبان منفصلة.
علي شوعي، نزيل يمني سابق في سجن الإيواء: يتعرض معظم السجناء للاعتداء بالضرب المبرح بكابلات وأسلاك كهربائية، وأنابيب طفايات الحريق، إضافة إلى الصفع على الوجه والتلفظ بألفاظ بذيئة من قبل جنود سعوديين مسؤولين عن السجن.”
بدر أحمد، 20 عاما، من محافظة تعز، تحدث عن معاناته أثناء سجنه 9 تسعة أشهر، ويقول: “تسعة أشهر لا يمكن نسيانها بأيامها ولياليها. أصبت بمرض الفطريات في الجلد، والحكة التي لم تتركني أنام بصورة طبيعية، ووصلت إلى حالة من الجنون والقلق بسبب شدة الحكة والألم الذي كنت أشعر به”.
سفيان الرازحي، ٣١ عاما، من محافظة صعدة، تحدث عن صعوبة الحصول على الدواء، ويصف الحصول على حبة مسكن للألم أمر صعب المنال في سجن الإيواء بجازان. يسرد قصته، ويقول: “كنت أعاني من ألم شديد في الكلى بسبب الترسبات والحصوات، وكنت حينها أتخبط في كل زاوية في السجن بسبب شدة الألم. وبعد نفاد صبري، طلبت من أحد السجناء أن يطرق الباب لطلب المساعدة من العسكري لعله أن يسمح بإسعافي أو يعطيني دواء مسكنا للألم”.
يضيف: “عندما فتح العسكري، تساءل بغضب عمن طرق الباب. أخبرناه بالأمر، ثم قام بإخراجنا إلى صالة السجن، وضربنا بأسلاك كهربائية بطريقة همجية، وقال لنا ممنوع طرق الباب طالما والمريض يتنفس، وإذا توفى يحق لكم أن تطرقوا الباب”.
يتعرض معظم السجناء للاعتداء بالضرب المبرح بكابلات وأسلاك كهربائية، وأنابيب طفايات الحريق، إضافة إلى الصفع على الوجه والتلفظ بألفاظ بذيئة من قبل جنود سعوديين مسؤولين عن السجن، بحسب علي شوعي، أحد السجناء اليمنيين.
يسرد شوعي معاناته، ويقول: “دخلت في مشاجرة خفيفة مع سجين أثيوبي في السجن، فذهبت إلى الباب لكي أشتكي إلى العسكري لينصفني. تفاجأت بتوقيفي خارج السجن، في الصالة التي يناوب فيها العسكر، وتم طلب الأثيوبي، وأمرني العسكري بالجلوس، ورفع قدمي، وضربني بأنبوب طفاية الحريق على أقدامي 16 ضربة. كنت أصرخ، وأتوسل أن يتوقف، لكنه ركلني بقدمه في صدري، وشتمني، وعندما قمت، صفعني على وجهي”.
حاتم العجل، 30 عاما، يشير إلى أنه لم يتعرض للشمس طوال الثلاث سنوات من بقائه في السجن سوى أربع مرات أثناء ما كان يذهب إلى المحكمة. يقول ل “المشاهد”: “عندما كنت أرى الشمس، كنت أشعر بالحرية”.
في إبريل 2021، كشف تقرير حقوقي لمنظمة سام للحقوق والحريات عن انتهاكات خطيرة في سجن سعودي ضد محتجزين يمنيين. وقالت المنظمة في تقريرها إن السعودية تعتقل مئات اليمنيين في سجون بعضها غير قانونية في المملكة، كما تشرف على سجون أخرى داخل الأراضي اليمنية.
تجاهل القانون
نصت المادة (7) من نظام السجن والتوقيف في المملكة العربية السعودية على أنه “لا يجوز إيداع أي إنسان في سجن أو في دار للتوقيف أو نقله أو إخلاء سبيله إلا بأمر كتابي صادر من السلطة المختصة، ولا يجوز أن يبقى المسجون أو الموقوف في السجن أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة المحددة في أمر إيداعه”. هذا التحقيق يثبت أن الأقوال تخالف الأفعال.
وضعت الأمم المتحدة المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، ومنها “يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر. ولا يجوز التمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر”.
أمين هزاع، محام يمني، يقول لـ “المشاهد”: “تهدف السجون إلى إصلاح وتقويم وتأهيل المسجونين من خلال استخدام كافة الوسائل والمؤثرات التربوية والتعليمية والتدريب المهني والخدمة الاجتماعية والأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية، وكذلك خلق الرغبة لدى المسجونين نحو الحياة الشريفة والمواطنة الصالحة”.
القوانين التي تتعلق بحقوق السجناء كثيرة، لكن تطبيقها يظل غائبا في العديد من السجون في دول متعددة. إن مأساة السجناء اليمنيين في السجون السعودية قديمة، وتزيد حدتها كل يوم مع استمرار الحرب اليمنية.
تدفع الحرب المزيد من الشباب اليمنيين إلى السفر بطرق غير قانونية، إذ ليس بإمكانهم توفير رسوم تأشيرة العمل، لكنهم يقعون في أيدي حرس الحدود السعودي الذين يحولون حياة العديد منهم إلى جحيم لا يطاق.
المصدر - المشاهد نت
تعليقات
إرسال تعليق