القائمة الرئيسية

الصفحات

”أنتَ مصاب بالسكري“



في تلك اللحظة الفارقة، من يوم الخميس الموافق 26 يونيو من عام 2025، توقّف الزمن، وتحطّمت الطموحات على جدار الصمت الذي أطبق دون سابق إنذار.


لم أكن أتخيّل، ولو في أسوأ الأحلام، أن يحدث ذلك. ما زالت كلمات الطبيب تتردّد في أذني كصدى بعيد، لكنّ معناها كان يضرب أعماقي كصاعقة:


” #أنت_مصاب_بالسكري“.

كلمتان بسيطتان، لكنهما حملتا ثقلًا هائلاً، ثقلًا كاد أن يسحقني. بعد أن أظهرت نتائج التحليل التراكمي 13.5 والعشوائي 587


شعرت وكأنّ الأرض انشقّت من تحتي، وأن كل ما بنيته في حياتي بدأ ينهار. لم يكن مجرد تشخيص طبي، بل كان حكماً سيُغيّر مسار حياتي بالكامل.


في البداية، كان هناك إنكار… لا، هذا لا يمكن أن يحدث لي. أنا بصحة جيدة، أمارس الرياضة، وأتناول الطعام بشكل معتدل. لابد أن هناك خطأ في التحاليل، أو سوء فهم!


حاولت أن أبحث عن أي تفسير آخر، عن أي مخرج من هذا الواقع المرير، لكن نظرة الطبيب الجادة، ونبرة صوته التي حملت شيئاً من الشفقة، أكدت لي أن هذا ليس حلماً سيئاً، بل حقيقة لا مفرّ منها.


ثم جاء الخوف من المجهول، من التغييرات التي ستطرأ على حياتي.

هل سأستطيع الاستمتاع بالطعام كما كنت؟

هل سأضطرّ إلى التخلي عن كل ما أحبّه؟

كيف سأتعامل مع الإبر والأدوية؟

هل سأصبح عبئاً على مَن حولي؟


تساؤلات لا حصر لها تدفّقت في ذهني، وكل سؤال يحمل معه عبئاً جديداً من القلق والتوتر.


شعرت بالوحدة، وكأنني أقف على حافة هاوية لا أعرف كيف أخطو بعدها خطوة واحدة. تماسكت، وتهيأت وكأن الأمر لا يعنيني، بعناد وكبرياء المهزوم.


حين نظر إليّ بعد نظرته الأولى لأوراق التحاليل، كانت عيناه مليئتين بالحيرة والخوف من ردّة فعلِي تجاه ما سمعته.

صديقي وأخي وابن عمّي، ابراهيم سيف سعد صالح  ، هو مَن أشار عليّ وأخذني إلى المختبر للتأكد، بعد أن كانت الأعراض تشير إلى ذلك حسب معرفته: إرهاق وتعب مستمر، شرب الماء بكميات كبيرة مع جفاف دائم في الفم، وتراجع كبير في النظر وتشوش وصل إلى درجة عدم التمييز ممّن حولي إذا ابتعدوا أكثر من متر، بينما كنت أعتقد أنه مجرّد مرض عابر وسيزول.


بدأت أسترجع في ذاكرتي كل القصص التي سمعتها وعايشتها عن السكري ومضاعفاته. وبدأت أتخيّل أسوأ السيناريوهات، وأسأل نفسي:


هل هذه نهاية حياتي كما أعرفها؟

هل سأفقد طاقتي، حيويتي، وقدرتي على الاستمتاع بالحياة؟

كيف يحدث هذا وأنا ما زلت في مقتبل عمري؟


كان هناك أيضاً شعور بالظلم… لماذا أنا؟

لماذا حدث هذا لي؟

لم أفعل ما يستوجب ذلك. إنه مرض سيلازمني بقية حياتي، وسيفرض عليّ قيوداً لم أكن أتخيّلها يوماً.


شعرت بالغضب، غضب من جسدي الذي خذلني، وغضب من القدر الذي وضعني في هذا الموقف.


لكن وسط كل هذه المشاعر المتضاربة، بدأ بصيص من الأمل يظهر. تذكرت أن هذا ليس النهاية، بل بداية فصل جديد، فصل يتطلّب مني القوة والصبر والتكيّف.


الكثير مما تعلّمته من إبراهيم سيف، بحكم معرفته بالمرض وتجربته الطويلة مع والدته، أعطاني جرعة لا بأس بها من التحدّي لمواجهة هذا المصير المحتوم.


إنها المرة الأولى منذ زمن طويل أكتب فيها عن همومي، بعد توقّف دام عاماً وأكثر عن الكتابة في المجال الصحفي أو حتى التعبير عن رأيي. لكنّ الصمت يجعل الإنسان يحترق وحيداً وهو يبتسم أمام الآخرين.


لن أُسلّم نفسي لليأس والإحباط. سأعيش كما لو كنت سليماً كما كنت من قبل، وسأتعلّم كيف أتعايش مع هذا المرض، كيف أتحكّم فيه بدلاً من أن يتحكّم بي.


سأبحث عن الدعم والمعرفة، وسأواجه هذا التحدّي بكل ما أوتيت من عزيمة.

فالصدمة قد تكون قاسية، لكنها، بإذن الله، لن تكسرني.


مجاهد حمود

أنت الان في اول موضوع
ردرود الأفعال:

تعليقات