بقلم / ياسين الزكري
تعشق غريد الطفلة العدنية الباسمة كمدينتها اللعب بالرمال المبللة وتقول أن باستطاعتها المجيئ إلى الساحل معظم أيام الاسبوع لممارسة لعبتها المفضلة. تخبرك هذا المعنى فيما هي تتجه الى ملعبها غير البعيد عن أسرتها التي تتخذ لها مكانا على الرمال الصفراء للترويح والاستمتاع بجمال البحر ونسيماته الباردة في ظل أجواء بلغت سقف الاربعين مئوية والساعات التسع من الانطفاءات المتقطعة للكهرباء
في مدينة خرجت لتوها من حرب طاحنة ،يصبح الحديث عن قضاء وقت ممتع وآمن قرب البحر واحداً من أبرز التحديات التي تواجه عمل سلطات الأمن الناشئة أو هذا ما يقوله لسان الحال في العاصمة اليمنية المؤقتة.
حين يكون بإمكانك اصطحاب أسرتك إلى أحد شاليهات ساحل أبين لقضاء ساعات مرحة بعد ظهر يوم متعب في مكتبك،أو سهرة هادئة على رمال جولدمور ،فإنك تستطييع ولاشك الحديث عن عودة عدن الى يد أهلها وكنف السلطة الشرعية ..تستطيع الحديث عن محافظة محررة ..عن مدينة آمنة ولو بالحد الأدنى الذي تفتقده تماما مناطق أخرى تصف نفسها بـ "المحررة" أيضاً
الحديث عن عدن لا يحتاج التنقيب عن الشواهد بين زحام البيانات وغبار الخطب ..الحديث عن تطبيع الحياة في هذه المدينة تجده دوما في المتناول ومن مصادر متعددة ..تجده في وجوه الاطفال وهم يروضون الامواج في شهر تموز العاصف ،و حركة السوق الذي يفتح أبوابه صباح مساء ..في شرطي المرور الذي ينظم حركة السير في الشوارع العتيقة والواسعة ..وفي نبرات العدنيين والوافدين الخالية من قلق مفاجآت الاحداث اليومية الطارئة أو الاشتباكات العبثية التي توقع حضورها بعدد من القتلى الابرياء معظم ايام الاسبوع كما هو الحال في المساحة المحررة من مدينة تعز على سبيل المثال..
التباينات السياسية واضحة الملامح في هذه المدينة اذ يمكنك مثلا سماع تصنيفات من نوع.. شرعية ، حراك، اصلاح لكنها تباينات واعية يعبر عنها بالحديث المحكي او الكتابة وتدار بآليات سياسية مدنية
في عدن تعاني القوى السياسية والفصائل المسلحة صعوبة في ممارسة العبث بذلك القدر من غياب المسئولية الحاصل في لصيقتها تعز على سبيل المثال ،ذلك أن المجتمع في الأولى حاضر بقوة تطلعاته وأهدافه الموحدة الى حد ظاهر المتمثلة في استعادة سلطة وهيبة الدولة واعادة تفعيل المؤسسات وتطبيع الحياة اليومية .
الملامح في هذه المحافظة واضحة بين المسارين المدني والعسكري حيث يعمل الثاني في خدمة الأول فما أن تصل بوابة المحافظة حتى تلحظ كيف أن نقاط التفتيش حاضرة بالبزة العسكرية الرسمية تأتمر بأمر قيادة محددة واضحة المعالم وتنتمي لمؤسسة معروفة بالاسم والعنوان وتعمل وفق برنامج عمل واضح "مايجعل انجازاتها محل تقدير السلطة والمجتمع واخفاقاتها قضية السلطة والمجتمع أيضاً" بحسب المواطن العدني سمير عبد الرحمن - 45 عاما..
في عدن تستخدم الطقوم العسكرية من أجل حفظ الأمن وحماية الحق في الحياة والممتلكات العامة والخاصة وليس من أجل "لطش الموارد العامة لحساب اشخاص أو تصفية حسابات خاصة" يقول عادل محمود – 32 عاما أحد أبناء تعز العاملين في عدن
في هذه المدينة المستلقية على مياه البحرين الاحمر والعربي تعمل المكاتب التنفيذية على مدى ساعات دوامها الرسمي دون أن تقتحمها مجاميع مسلحة تابعة لـ س أو ص من القادة الميدانيين ..تعمل بهدوء كما دورتها النقدية حيث تذهب ايراداتها الى الخزينة العامة وتتلقى مرتبات موظفيها من البنك المركزي نهاية كل شهر
الحديث عن بعض ملامح الحياة في هذه المدينة ليس للترف ،بقدر ما هو شاهد حي عن أن اليمنيين يستطيعون استعادة الدولة وتفعيل مؤسساتها ،وتطبيع الحياة العامة في المناطق المحررة رغم كل الصعوبات والنزاعات الجانبية والتباينات السياسية
تعليقات
إرسال تعليق