صنعاء – مجاهد حمود :
يقضي الطفل عمر مأمون، ذو الـ15 ربيعاً، 10 ساعات يومياً خلف ميزانه الصغير، أمام أحد المطاعم وسط العاصمة صنعاء، لكسب رزقه من المارة الذين يرغبون بقياس أوزانهم، مقابل دفع 30 ريالاً من الشخص الواحد.
لم يقوَ هذا الطفل على الأعمال الأخرى الشاقة، لذا لجأ للعمل بهذا الميزان لتوفير متطلبات الحياة له ولأسرته التي لا تجد من يعولها سواه.
ونزح عمر مع المئات من الأسر، من مدينة الحديدة، إلى صنعاء، بعد اشتداد المواجهات وكثافة قصف الطيران على المدينة، كما يقول لـ”المشاهد”.
بعد وفاة والده، قبل عامين، تكفل شقيقه الأكبر عصام، بتغطية احتياجات الأسرة، من خلال عمله على داجة نارية، لكن مع اشتداد الحرب نزحت الأسرة، وبقي شقيقه الذي لا يعلمون عنه شيئاً من 9 أشهر، في الحديدة، ما دفع عمر للعمل وترك الدراسة، كي ينفق على أمه وإخوته الـ5، وفق روايته، مضيفاً أن ما يكسبه من المال يتراوح بين 1600 و2000 ريال في اليوم الواحد.
الطفل عمر مأمون في احد شوارع صنعاء بميزان صغير يحاول توفير لاسرته مصاريفها اليومية
تزايد عمالة الأطفال
وقف مرتبات الموظفين الحكوميين، بمن فيهم المتقاعدين والمتوفين الذين كانت أسرهم تعتمد على مرتباتهم كدخل أساسي، يعد أحد أبرز أوجه الأزمة التي فاقمت من ظاهرة عمالة الأطفال، ومعها تتعدد سوق عملهم حسب الظروف والفرص المتوفرة، ففي مقابل من يذهبون إلى الرصيف للعمل كباعة متجولين، هناك من يغادرون للعمل في محال تجارية لدى أقربائهم، وهناك من تركوا التعليم، وآخرون استمروا في الدراسة مع العمل في الأوقات الممكنة خارج المدرسة.
يقول رئيس منظمة سياج اليمنية للطفولة، أحمد القرشي، في تصريح لـ”المشاهد”، إن “الأعوام الثلاثة الأخيرة، شهدت ازدياداً كبيراً في معدلات انخراط الأطفال اليمنيين في أسوأ أشكال عمالة الأطفال، وبحسب تقديراتنا فإن الزيادة قد تتجاوز 300% عما كان عليه الحال قبل 2015”.
ويعيد القرشي أسباب زيادة عمالة الأطفال إلى الارتفاع الكبير في معدلات الفقر والبطالة، وتوقف الحكومة عن دفع مرتبات موظفي الدولة منذ حوالي 14 شهراً، وفقدان مئات الآلاف من العاملين في القطاعين الخاص والحكومي، مصادر رزقهم، والارتفاع الجنوني في أسعار الغذاء.
عدي البالغ من العمر 15 عاماً، يعمل في إحدى (بوافي) العاصمة صنعاء، كنادل، كما يقول لـ”المشاهد”، مضيفاً: “منذ عام ونصف وأنا أعمل هنا بأجر يومي لا يتعدى الـ1000 ريال، ولكنه ينفع لتغطية متطلبات البيت”.
ويؤكد أنه اضطر لترك المدرسة وهو في الصف الثامن من التعليم الأساسي، مجبراً، وذهب للعمل، بعد توقف صرف راتب والده المتقاعد، الذي كان يغطي بعض الشيء.
إقرأ أيضاً الصحفيون في اليمن... معتقلٌ ومشردٌ وآخر مسكونٌ بالخوف
أطفال خارج المدارس
وذكر تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، والذي أعد بالتعاون مع المجموعات العاملة في مجال المساعدات الإنسانية في الحديدة، في 18 نوفمبر الماضي، أن موجة النزوح المستمرة منذ بداية الشهر الماضي، فاقت الـ121 ألف شخص.
عمر واحد من مئات الطلاب الذين صاروا خارج المدارس، بسبب الحرب في اليمن،
كما تشير تقارير أممية. كشفت عنها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إلى أن مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المدارس منذ بدء الحرب في العام 2015.
وذكرت يونيسف أن المنظومة التعليمية في اليمن تأثرت بشكل كبير، بسبب عدة عوامل، منها التوقف عن صرف رواتب الكوادر التعليمية العاملة في ثلاثة أرباع المدارس الحكومية، منذ أكثر من عام، مما جعل تعليم قرابة 4.5 ملايين طالب على المحك، وهو ما يؤكده القرشي، مشيراً إلى أن الانهيار الكبير في نظام التعليم الذي أسفر عن حرمان أكثر من 3 ملايين تلميذ وتلميذة من مواصلة تعليمهم، ونزوح أكثر من 3 ملايين مواطن، غالبيتهم من الأطفال، ومقتل وإصابة آلاف المدنيين والعسكريين، وما يخلفه ذلك من أيتام وأرامل، دفع بالأطفال للعمل.
ويتابع القرشي: “تلك الأسباب وغيرها أجبرت آلاف الأسر اليمنية على قبول التحاق أطفالهم بسوق العمل مبكراً، بما في ذلك التجنيد والإشراك في النزاعات المسلحة، لتحسين سبل معيشتهم.
ولعب التجنيد دوراً سلبياً في تسرب الأطفال من مدارسهم، فقد تم تجنيد 2419 طفلاً على الأقل، من بداية الحرب، إضافة إلى الفقر الذي جعل عمالة الأطفال الذكور في الشوارع أمراً عادياً.
او قفوا الحرب
ويقول عمر بنبرة حزن: “لو العالم يعرف أحوالنا، لما كان تردد للحظة في أن يمد يده لإخراجنا من هذا المستنقع الدامي، وعمل بكل جهوده لإيقاف الحرب، بدل أن يمدنا بالمساعدات الإغاثية لنبقى على قيد الحياة”، مضيفاً أن بعض الأطفال في محافظة الحديدة ماتوا جوعاً، واستطرر قائلاً: “أريد أن أعيش كغيري من الأطفال، أدرس وأمارس حياتي اليومية بكل سرور، كبقية أطفال العالم. عليهم أن يوقفوا الحرب، لندرك كيف نمضي، فنحن بحاجة إلى مستقبل يمسح دموعنا ويداوي جراحنا. ولم نجنِ من الحرب سوى الدمار والضياع”.
تعليقات
إرسال تعليق