تعز - مجاهد حمود
أصيبت الرضيعة ذات الـ 11 شهرًا، يسرى ياسر، بحمى استمرت لأيامٍ، لتلحقها تشنجات أخافت والديها الذَين نقلاها للعلاج في مدينة تعز (جنوب غربي اليمن). ياسر.. والد الطفلة يروى قصته لـ«المشاهد» قائلاً: ”أصيبت طفلتي يسرى في البداية بحمى لأيام، لكني تجاهلتها وقلت أنها مصابة كأي طفل يصاب بالحمى ثم يتعافى، وكنت أعطيها دواء الحمى فتهدأ”.
لكن بعد قرابة 20 يومًا بدأت تظهر عليها تشنجات بشكل مخيف، أدخلتها في غيبوبة، فنقلتها إلى أحد المراكز الصحية بالقرية، فنصحني الطبيب بنقلها إلى الحوبان في أسرع وقت.
ويضيف: ”حالتي المادية ليست جيدة، ولا أستطيع أن أستأجر سيارة لإسعافها، فبقيت حتى الصباح وحينها نقلتها للحوبان عبر سيارات نقل الركاب، وفي مستشفى ”أطباء بلا حدود” أكدت الفحوصات أنها بصحة جيدة، ولا تعاني إلا من التهابات بسيطة، وصرفوا لنا علاجًا وعدت للمنزل في نفس اليوم”.
وبنبرة حزن يستطرد حديثه: ”تفاجئت في اليوم الثاني بعد عودتنا إلى المنزل بعودة نفس أعراض التشنجات، وبدأت تتطور أكثر، ولمرات عديدة في اليوم الواحد”، حتى أن بعض أهالي القرية ظنوا أنه مصابة بـ”مس شيطاني”، وهي بحاجة الى معالج بالقرآن، لكنني لم أقتنع”.
ويتابع: ”لم أقوَ على مشاهدتها بهذه الحال، كنت أتألم ولا أملك شيئًا أفعله، لا مالًا لنقلها إلى مدينة تعز وتوفير كلفة العلاج ولا شيء، غير الألم الذي كنت أكابدة بصمت ولا يعلم بحالي غير الله”.
هذا الوضع المادي اضطر ياسر إلى بيع خاتم زوجته، كان قد اشتراه لها منذ سنوات، وبعد استئذانها قالت له: ” خذه وبعه وأسعف طفلتنا إلى المدينة”.
وفي المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة بتعز، عرض ياسر رضيعته على الدكتور خالد النهاري وتم اجراء الفحوصات اللازمة لتفاجئوه النتائج بإصابتها بحمى شوكية 60، فقرر لها رقودًا لمدة 14 يومًا للإشراف على حالتها وضمان أخذ جرعات العلاج اللازمة.
لم تكن يسرى وحدها من ترقد في المستشفى اليمني السويدي، فالرضيع الذي لم يتجاوز العام الأول من عمره، عبدالله عبدالرحمن، أصيب هو الآخر بحمى وتشنجات وتم إهماله حتى فقد الحركة، وخسر نظره، وتم إسعافة إلى المستشفى، وكانت النتيجة ”حمى شوكية”.
الحمى الشوكية وأعراضها
وأوضح الدكتور خالد النهاري لـ«المشاهد» أن الحمى الشوكية، أو كما تعرف طبياً بالتهاب السحايا، هي التهاب في الأغشية التي تغطي الدماغ والنخاع الشوكي؛ نتيجة عدوى تؤثر على السائل المحيط بالسحايا، وهو من الحالات التي تشكل خطرًا كبيرًا على حياة الإنسان، وعند ظهورها لابد من زيارة الطبيب بأسرع وقت.
ويشير الدكتور النهاري إلى الأعراض المصاحبة للحمى الشوكية أو التهاب السحايا، تختلف وفقاً لأنواع هذه الحالة المرضية، فأعراض الإصابة إما أن تكون مباشرة أو خلال عدة أيام، وبشكل عام تتضمن أعراض الإصابة الغثيان والتقيؤ، وارتفاع درجة حرارة الجسم، والشعور بتيبس الرقبة المصحوب بصداع، والألم العضلي، وحساسية الضوء، والهذيان، وبرودة الأطراف، بالإضافة إلى الاختلاج والغيبوبة.
”التهاب السحايا الفيروسي”، وهو أقل من التهاب السحايا البكتيري، ويتعافى فيه الأشخاص الذين يمتلكون أجهزةً مناعة طبيعية، وقد يتحسنون ذاتياً عند الإصابة بهذا النوع من التهاب السحايا، بالإضافة إلى توافر التطعيمات التي تعمل على الحماية من بعض أنواعه
أما بالنسبة للأطفال الرضع فتتركز الأعراض في سرعة التنفس، ورفض الرضاعة، والهياج والبكاء الشديد والأنين العالي وبعض التشنجات، يقول الدكتور النهاري.
أنواع متعددة
ويضيف: ”هناك عدة أنواع للحمى الشوكية مثل ”التهاب السحايا البكتيري”، وهذا النوع خطير وقاتل ولذلك لابد من التوجه للطبيب والمستشفى فوراً، ويجب العلم بأن توافر التطعيم ضد هذا الالتهاب من شأنه المساهمة في الحماية ضد بعض أنواعه”.
كما أن هناك ”التهاب السحايا الفيروسي”، وهو أقل من التهاب السحايا البكتيري، ويتعافى فيه الأشخاص الذين يمتلكون أجهزةً مناعة طبيعية، وقد يتحسنون ذاتياً عند الإصابة بهذا النوع من التهاب السحايا، بالإضافة إلى توافر التطعيمات التي تعمل على الحماية من بعض أنواعه، بحسب الدكتور النهاري.
ومن الأنواع ”التهاب السحايا الفطري” وهو نادر جداً، يحدث عندما يتم استنشاق الجراثيم الفطرية الموجودة في البيئة، بالإضافة إلى ”التهاب السحايا الطفيلي”، وهو أقل انتشاراً من النوع البكتيري والفيروسي وتحدث الإصابة به بسبب الطفيليات المختلفة التي تؤثر على الدماغ أو الجهاز العصبي.
وهناك أيضًا، وفق الدكتور النهاري، ”التهاب السحايا الأميبي”، ويحدث بسبب الأميبا المعروفة باسم ”نيجلرية دجاجية” وهذا النوع يكون نتيجة عدوى نادرة ومدمرة للدماغ، و”التهاب السحايا غير المعدي”, الذي يحدث في حالة الإصابة بالسرطانات أو الذئبة الحمراء، وفي حالة تناول أنواع معينة من الأدوية أو في حالة الإصابة بالرأس أو في حالة الخضوع لجراحة في الدماغ.
20 طفل يرقدون في المستشفى
الرضيعة يسرى واحدة من 20 طفل مصاب بالحمى الشوكية أو التهاب السحايا، حسب الاحصائيات التي حصل عليها «المشاهد» من سجلات المستشفى السويدي اليمني، الذي أكد بأن أكثر من 20 طفل مصاب بها خلال أسبوع واحد فقط.
وعن أسباب الإصابة بالمرض يشير الدكتور خالد النهاري إلى عدة أسباب, حيث هناك العديد من البكتيريا والفيروسات والطفيليات التي قد تسبب ”التهاب السحايا الإنتاني”.. لافتًا إلى وجود بعض الأمراض التي يكون لديها طابع التهابي، وقد تسبب التهاب السحايا اللاإنتاني.
بالإضافة إلى بعض الأدوية المضادة للالتهابات اللاسترويدية ومنها البروفين والدكلون، وبعض أنواع المضادات الحيوية مثل التريميثوبريم – سلفاميتوكسازول.
وتطرق النهاري إلى بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالحمى الشوكية، منها عدم الحصول على اللقاحات كاملة، حيث ترتفع نسبة الإصابة بالحمى الشوكية لدى الأطفال والبالغين الذين لم يكملوا البرنامج الخاص باللقاحات، لذلك لابد من الحرص على جميع اللقاحات الإجبارية ولابد من الذهاب إلى مراكز إعطاء اللقاح للحصول عليها وفقاً للعمر.
ولفت إلى أن معظم حالات التهاب السحايا عند الأطفال تحدث بعمر 5 سنوات بشكل عام، أما ”التهاب السحايا الجرثومي” يكون أكثر انتشاراً لمن هم أقل من عمر 20 عامًا.
ولم ينسَ النهاري التذكير بأن الحمل يزيد من نسب الإصابة بجرثومة الليستيريا، والتي تسبب التهاب السحايا، فهذه الإصابة ترفع من نسبة حدوث الإجهاض أو الولادة المبكرة، وولادة الجنين ميتًا.
يقول الدكتور النهاري إن الإصابة بالتهاب السحايا ”الحمى الشوكية” يترتب عليه زيادة الخطر من بعض المضاعفات، مثل فقدان السمع واضطراب الذاكرة، وصعوبة التعلم وتضرر الدماغ، واضطراب المشي ونوبات التشنج، والفشل الكلوي، وأحياناً يؤدي الى الوفاة.
طرق العلاج
ولعلاج مرضى التهاب الحمى الشوكية أشار الدكتور النهاري إلى أن معالجة حالات الحمى الشوكية تتحدد وفقاً لمسبب المرض وبناءاً عليه يتم تحديد العلاج المناسب للحالة.
فعلاج التهاب السحايا الجرثومي يحتاج إلى الاستشفاء الفوري والمباشر، والذي يكون عن طريق إعطاء الأدوية من خلال الوريد لتجنب الاختلاطات المزمنة الوارد حدوثها ط، وخاصةً عند المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة أو المتأخرين في التشخيص، وفق الدكتور النهاري.
ويواصل: كما أن استخدام المضادات الحيوية بشكل عام يكون وفقاً للعامل الممرض، ولكن يتم تحديد بعض أنواع المضادات الحيوية كخط علاجي أول حتى تصدر نتيجة الفحص الزراعي والتي من خلالها يمكن تحديد المضاد الحيوي المناسب.
وينطبق أيضاً على التهاب السحايا الفطري، والذي تتم معالجته باستخدام مضادات الفطريات، أما بالنسبة لالتهاب السحايا الفيروسي فإنه يزول من تلقاء نفسه، ولكنه قد يحتاج فقط لبعض الأدوية المضادة للفيروسات، بحسب النهاري.
تعليقات
إرسال تعليق