مجاهد حمود :
في احدى زوايا سطح المنزل وتحت ضوء القمر يجلس الشاب مجاهد حمود يتنقل بين اذائع الراديوا يبحث عن ماضٍ محالُ،
يسرقه الحلم الى الأمس القريب يعيش في مخيلة الماضي حين كان يجلس الى جوار والده في نفس المكان والتوقيت ولكن بغير الزمان .
نعم يابي سوف انزل للنوم ، قليل وينتهي البرنامج وانزل لاتقلق . البرنامج الذي كان يذاع عبر اثير إذاعة مونتكارلوا الدوليه بصوت المذيع عاطف علي صالح .
كان ابي مهتماً بي انام مبكرا لأصحوا مبكراً لكي استوعب الدروس كما يجب .
الاتشعر بالنوم يابني؟
لا يا أبي ،
رغم ان النعاس كان يداهمني ولكني حريص جدا على سماع الراديوا . حتى يغلبني النعاس فأنام متكئاً عليه فلا اعلم إلا الصباح حين اصحوا من فرشي .
لم تكن حينها القرية في سكون مخيف وصمت مرعب كما يحدث اليوم .
كان الجميع يتسامرون في أسطح منازلهم ضجيج هنأ وآخر هُناك ...
مذياع على إذاعة صوت القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية وآخر على إذاعة صنعاء تناغم عجيب تنعم به القرية كل مساء
تتنقل بين باريس عبر اذاعة مونتكارلوا الدوليه و لندن عبر اثير اذاعة BBC وبين الرياض والقاهرة وصنعاء وآخر على راديوا سواء التي كانت تتميز بموجز للأنباء على رأس الساعة بينما بقية الوقت تتنقل بين الأغاني العربية والأجنبية .. حتى تلك الموسيقى المدمجة مع .. "راديوا سواء ننقل لكم الصوت لتكتمل عندكم الصورة" . قبل كل موجز اخباري.
مايميزني عن غيري ان منزلنا هو اعلى القرية ، يكون فيه الليل آخاذ بأجوائه الساحرة ناهيك عن المنظر المطل على كل القرى المجاورة .
ولكن لمنتصف كل شهر حكاية يرويها القمر حين اكتماله بأشعته الفضية الدافئة التي تحضن المكان ، المنسدلة على أسطح المنازل
العامرة بالحب في كل أسرة متجمعة تحت أشعته المتدفقة بالحنان .
ذاك الأمس قبل الإنترنت والعالم الإفتراضي الذي اخذ كل حكايات الأمس الجميلة ، الأمس الذي كان يعيش فيه الوطن عامراً بالأمن والأمان ، كان القتل فيه جرمٌ لانسمع به مطلقاً سوى في نشرات الأخبار إستشهاد فلسطيني برصاص قوات الإحتلال الصهيوني في رام الله وهذا كان يؤلم قلوبنا ،
لم اكن حينها أستخدم ساعة الجوال او اللابتوب لمعرفة الوقت ليلاً ، بل كان توقيتي للنوم هو جاري الذي يجلس في سطح منزله حين أراه تأهب للنزول بجمع ادواته كالراديوا وشقدفة أشرطة الكاسيت حين يجمعها في الكيس اعرف ان الوقت حان للنوم وعليّٰ النزول يسود الصمت ولم يبقى غير صوت الطاحون في دكان فرحان اسماعيل.
يعود بي ذاك الحلم او الخيال الشارد الذي سافر بي بعيدا الى حيث الأمس الى حيث انا الآن ..
فلا ضجيج هُنأ كلا ولا ناسُ ،
قمرٌ حزين وليل يئنُ بين ضلوعنا ، عالم كئيب
وجع يمزقُ شغاف القلوب وحنين مثقل بالدموع ،
لم يعد أبي هنأ ... أنا وحدي
جاري لم يعد هنأ ... منزلنا الكبير لم يعُد هنأ
لقد غادر الجميع وبقي الليل القمر ومذياع والدي القديم .
غاب صوت الراديوا من كل أ سطح المنازل في القرية ، تفرقت الأسر وتشظت بين مهاجر ونازح وراحل الى ربه .
لقد غاب حتى صوت الطاحون الذي كان لايصمت إلا وقت السحر .
وغاب حديث أبي وعمي ، وذلك الصوت الذي يصدح بذكرالله بين وقت وآخر من سطح منزل جارنا سعيد سيف رحمة الله عليه .
تعليقات
إرسال تعليق